فصل: ومن باب وقت الصبح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب وقت الظهر:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حَدَّثنا عباد بن عباد حدثنا محمد بن عمرو عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن جابر بن عبد الله: قال: «كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآخذ قبضة من الحصباء لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر».
قلت: فيه من الفقه تعجيل صلاة الظهر. وفيه أنه لا يجوز السجود إلاّ على الجبهة ولو جاز السجود على ثوب هو لابسه أو الاقتصار من السجود على الأرنبة دون الجبهة لم يكن يحتاج إلى هذا الصنيع، وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبيدة بن حميد، عَن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود أن عبد الله بن مسعود قال كان قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام.
قلت: وهذا أمر يختلف في الأقاليم والبلدان ولا يستوي في جميع المدن والأمصار لأن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة الرؤوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر. وكلما كانت أخفض ومن محاذاة الرؤوس أبعد كان الظل أطول ولذلك ظلال الشتاء تراها أبدًا أطول من ظلال الصيف في كل مكان. وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة وهما من الإقليم الثاني. ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف في شهر آذار ثلاثة أقدام وشيء ويشبه أن يكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام.
وأما الظل في الشتاء فإنهم يذكرون أنه في تشرين الأول خمسة أقدام أو خمسة وشيء وفي الكانون سبعة أقدام أو سبعة وشيء. فقول ابن مسعود منزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون ساتر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهم عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة، عَن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم».
معنى الإبراد في هذا الحديث انكسار شدة حر الظهيرة وقال محمد بن كعب القرظي نحن نكون في السفر فإذا فات الأفياء وهبت الأرواح قالوا أبردتم فالرواح. قلت ومن تأول على بردى النهار فقد خرج عن جملة قول الأمة.
وقد اختلف العلماء في تأخير صلاة الظهر في الصيف والإبراد بها فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى تأخيرها والإبراد بها في الصيف. وإليه ذهب أصحاب الرأي، وقال الشافعي تعجيلها أولى إلاّ أن يكون إمام جماعة ينتابه الناس من بعد فإنه يبرد بها في الصيف عند شدة الحر، وأما من صلاها وحده أو صلاها بجماعة بفناء بيته لا يحضره إلاّ من بحضرته فإنه يصليها في أول وقتها لأنه لا أذى عليهم في حرها. ولا يؤخر في الشتاء بحال.
وقوله عليه الصلاة والسلام «فيح جهنم» معناه سطوع حرها وانتشاره وأصله في كلامهم السعة والانتشار. ومنه قولهم في الغادة فيحي فياح، ومكان أفيح أي واسع، وأرض فيحاء أي واسعة ومعنى الكلام يحتمل وجهين أحدهما أن شدة الحر في الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة. وروي أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فأشد ما تجدونه من الحر في الصيف فهو من نفسها وأشد ما ترونه من البرد في الشتاء فهو منها.
والوجه الآخر أن هذا الكلام إنما خرج مخرج التشبيه والتقريب أي كأنه نار جهنم في الحر فاحذروها واجتنبوا ضررها.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر بن سَمُرة أن بلالًا كان يؤذن للظهر إذا دحضت الشمس.
قوله: «دحضت» معناه زالت وأصل الدحض الزلق يقال دحضت رجله أي زلت عن موضعها وأدحضت حجة فلان أي أزالتها وأبطلتها.

.ومن باب وقت العصر:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي قال قرأت على مالك عن ابن شهاب قال عروة ولقد حدثتني عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر».
قوله: «قبل أن تظهر» معنى الظهور هاهنا الصعود يقال ظهرت على الشيء إذا علوته ومنه قول الله تعالى: {ومعارج عليها يظهرون} [الزخرف: 33].
قلت: وحجرة عائشة ضيقة الرقعة والشمس تقلص عنها سريعًا فلا يكون مصليًا العصر قبل أن تصعد الشمس عنها إلاّ وقد بكر بها.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال: دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر فقام يصلي العصر فلما فرغ من صلا ته ذكرنا تعجيل الصلاة أو ذكرها فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلا».
قوله: «كانت بين قرني الشيطان» اختلفوا في تأويله على وجوه فقال قائل معناه مقارنه الشيطان للشمس عند دنوها للغروب على معنى ما روي أن الشيطان يقارنها إذا طلعت فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فحرمت الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لذلك.
وقيل معنى قرن الشيطان قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأزمان الثلاثة، وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس يقال هؤلاء قرن أي نشوء جاءوا بعد قرن مضى.
وقيل إن هذا تمثيل وتشبيه وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتزيينه ذلك في قلوبهم وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها فكأنهم لما دافعوا الصلاة وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس صار ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون بقرونها وتدفعه بأرواقها.
وفيه وجه خامس قاله بعض أهل العلم وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له. وقرنا الرأس فوداه وجانباه وسمي ذو القرنين وذلك أنه ضرب على جانبي رأسه فلقب به.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله».
قلت: معنى وتر أي نقص أو سلب فبقي وترًا فردًا بلا أهل ولا مال يريد فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله.

.ومن باب وقت عشاء الآخرة:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا أبي حدثنا جرير عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أنه سمع معاذ بن جبل يقول: «بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل منا يقول صلى فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا فقال اعتموا هذه الصلاة فإنكم قد فُضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم».
قوله: «بقينا النبي صلى الله عليه وسلم» معناه انتظرنا يقال بقيت الرجل أبقيه إذا انتظرته.
وقوله اعتموا هذه الصلاة يريد أخروها، يقال فلان عاتم القرى إذا لم يقدم العجالة لأضيافه.
وقد روى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى هذه الصلاة العتمة، وقال: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه».
وكان ابن عمر إذا سمع رجلًا يقول العتمة صاح وغضب وقال إنما هو العشاء.

.ومن باب وقت الصبح:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: «إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلَفِّعات بمُروطهن ما يعرفن من الغلس».
والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل والغبش قريب منه إلاّ أنه دونه.
والمروط أكسية تلبس والتلفع بالثوب الاشتمال به. وهو حجة لمن رأى التغليس بالفجر وهو الثابت من فعل أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: الإسفار بها أفضل.
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجركم أو أعظم للأجر».
قلت: وإلى هذا ذهب الثوري وأصحاب الرأي. وقد احتج من رأى التغليس بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال يحيى بن آدم لا يحتاج مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قول وإنما كان يقال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عليها. واحتجوا أيضًا بخبر بشر بن أبي مسعود الأنصاري عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله» وهو حديث صحيح الإسناد. وقد ذكره أبو داود في باب قبل هذا.
قال: حدثنا محمد بن سلمه المرادي حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره عن عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبيه. وتأولوا حديث رافع بن خديج على أنه إنما أراد بالإصباح والإسفار أن يصليها بعد الفجر الثاني وجعلوا مخرج الكلام فيه على مذهب مطابقة اللفظِ اللفظَ وزعموا أنه قد يحتمل أن أولئك القوم لما أمروا بتعجيل الصلوات جعلوا يصلونها مابين الفجر الأول والفجر الثاني طلبا للأجر في تعجيلها فقيل لهم صلوها بعد الفجر الثاني وأصبحوا إذا كنتم تريدون به الأجر فإن ذلك أعظم لأجوركم.
فإن قيل كيف يستقيم هذا ومعلوم أن الصلاة إذا لم يكن لها جواز لم يكن فيها أجر. قيل أما الصلاة فلا جواز لها ولكن أجرهم فيما نووه ثابت كقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر» ألا تراه قد بطل حكمه ولم يبطل أجره، وقيل إن الأمر بالإسفار إنما جاء في الليالي المقمرة وذلك أن الصبح لا يتبين فيها جيدا فأمرهم بزيادة التبيين استظهارا باليقين في الصلاة.

.ومن باب المحافظة على الوقت:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد (هو ابن عبيد الله الطحان الواسطي) عن داود بن أبي هند، عَن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما علمني «وحافظ على الصلوات الخمس». قال: قلت إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني فقال حافظ على العصرين وما كانت من لغتنا فقلت وما العصران قال صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها.
يريد بالعصرين صلاة العصر وصلاة الصبح والعرب قد تحمل أحد الاسمين على الآخر فتجمع بينهما في التسمية طلبا للتخفيف كقولهم سنة العمرين لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والأسودين يريدون التمر والماء والأصل في العصرين عند العرب الليل والنهار قال حميد بن ثور:
ولن يلبث العصران يوم وليلةٌ ** إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

فيشبه أن يكون إنما قيل لهاتين الصلاتين العصران لأنهما تقعان في طرفي العصرين وهما الليل والنهار.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن حرب الواسطي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي قال زعم أبو محمد أن الوتر واجب فقال عيادة بن الصامت كذب أبو محمد أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وجاء بهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهدٌ أن يغفر له. ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه».
قوله: كذب أبو محمد يريد أخطأ أبو محمد لم يرد به تعمد الكذب الذي هو ضد الصدق لأن الكذب إنما يجري في الأخبار. وأبو محمد هذا إنما أفتى فتيا ورأى رأيا فأخطأ فيما أفتى به وهو رجل من الأنصار له صحبة والكذب عليه في الأخبار غير جائز والعرب تضع الكذب موضع الخطأ في كلامها فتقول كذب سمعي وكذب بصري أي زل ولم يدرك ما رأى وما سمع ولم يحط به قال الأخطل:
كذبتك عينُك أم رأيت بواسط ** ملس الظلام من الرطب خيالا

ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي وصف له العسل: «صدق الله وكذب بطن أخيك». وإنما أنكر عبادة أن يكون الوتر واجبا وجوب فرض كالصلوات الخمس دون أن يكون واجبا في السنة ولذلك استشهد بالصلوات الخمس المفروضات في اليوم والليلة.

.ومن باب إذا أخر الصلاة عن الوقت:

قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم بن دُحَيم حدثنا الوليد حدثني حسان هو ابن عطية عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا قال فسمع تكبيره مع الفجر رجل أجش الصوت، قال فألقيت عليه محبتي فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتا ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها. قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله قال: صل الصلاة لميقاتها واجعل صلاتك معهم سُبحةً».
قوله: أجش الصوت هو الذي في صوته جُشة وهي شدة الصوت وفيها غنة، والسبحة ما يصليه المرء نافلة من الصلوات ومن ذلك سبحة الضحى.
وفي الحديث من الفقه أن تعجيل الصلوات في أول أوقاتها أفضل وأن تأخيرها بسبب الجماعة غير جائز، وفيه أن إعادة الصلاة الواحدة مرة بعد أخرى في اليوم الواحد إذا كان لها سبب جائزة وإنما جاء النهي عن أن يصلي صلاة واحدة مرتين في يوم واحد إذا لم يكن لها سبب.
وفيه أن فرضه هو الأولى منهما وأن الأخرى نافلة، وفيه أنه قد أمر بالصلاة مع أئمة الجَور حذرا من وقوع الفرقة وشق عصا الأئمة.